المواجهة التشريعية في استرداد الأموال المنهوبة كوسيلة لمكافحة الفساد
محتوى المقالة الرئيسي
الملخص
أصبح الفساد الإداري في الوقت الحاضر داء سرطاني ينخر في جسم الأمم والشعوب ويهدد أركانها ويعطل مسيرتها التنموية وتقدمها العلمي، مما دعاها إلى التصدي إليه بشكل جماعي عبر إبرام العهود والمواثيق والاتفاقيات الدولية، ولم يقتصر الفساد على نشاط محدد بل ظهر في صور متعددة وتعدى إلى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وسواه، ويعتبر ظاهرة ملازمة للبشرية منذ الخليقة ولا تنتهي حتى قيام الساعة، لذلك قام بعض المختصين في معالجة الفساد إلى عده ظاهره وليس فعل، فالفساد المالي والإداري، كظاهرة إجرامية لها خصوصيتها من بين غيرها من الظواهر الإجرامية الأخرى، والفساد ليس فعلاً منعزلاً أو عرضياً، ولكنه ثمرة تضافر عوامل عديدة تحركه وتحدد تكوينه وهيئته وظهوره[1]، ولا يمكن الحديث عن الفساد الإداري دون ربطه بموظف أو وظيفة حكومية، حتى أصبح الموظف هو الفاعل المتفرد في ارتكاب جرائم الفساد الإداري، لأن الوظيفة في بداية نشأتها كانت عبارة عن صلة شخصية بين الحاكم والموظف، الذي يتم اختياره من قبل الحاكم، ومن بين الموظفين المقربين إليه دون الحاجة إلى معرفة كفاءته أو قدرته أو هل يوجد شخص أكثر كفاءة منه، وهذا النوع يكثر في الأنظمة الشمولية التي يكون فيها الحاكم مستبد وذو سلطة مطلقة[2]، ثم تطورت الوظيفة إلى أن وصلت إلى ما عليه الآن، من كونها حق من حقوق الإنسان ونصت عليها العديد من المواثيق الدولية وكذلك دساتير الدول الحديثة ومنها الدستور العراقي الذي أشار إلى تشكيل مجلس خدمة متخصص بشؤون الوظيفة[3] وتم تشكيله لاحقا بموجب القانون رقم 4 لسنة 2009، وعلى الرغم من التطور الذي حصل في مفهوم الوظيفة أو الموظف العام الحكومي وكثرة القوانين والأوامر التي تنظم أعماله وسلوكه، إلا أننا نجد أن صور الفساد الإداري متوفرة في الأداء الوظيفي وبأشكال متعددة، والفساد يقوى أحيانا ويضعف أحياناً أخرى والسبب في ذلك لا يكمن في توقف الممانعين له أو ضعفهم وإنما في قوة الفساد واستمراره، وهذه التوطئة تقودنا إلى الواقع الراهن فنجد إن الفساد قد نخر جسد الأمة في كل مجالاتها، لكن هل تعطلت القوى المضادة له أو توقفت؟ الجواب كلا وإنما استجدت ظروف أظهرته إلى العلن بعدما كان متخفياً بمظاهرٍ شتى وللإعلام دور كبير في توضيحه وبيان مواطنه، وفي العراق الفساد متوفر في العمل الرسمي منذ تأسيس الدولة العراقية ودليل ذلك التشريعات المتعددة التي صدرت خلال الفترة الماضية لمحاربته وذلك لوجوده واستشراءه إلا أن الفترة التي هيمنت فيها القوى المتسلطة والديكتاتورية جعلت من الوظيفة والإدارة العامة وسائلها في تنفيذ سياستها الشمولية وأصبح كل تعرض لها يعد بمثابة تعرض للسلطة الحاكمة وأحياناً يعد تعرض للنظام القائم آنذاك مما وفر للفساد الحماية من الإعلام في فضح مواطنه، فضلا عن انشغال المجتمع بالحروب المهلكة.
[1] فارس حامد عبد الكريم ـ الجريمة والعقاب ـ الجزء الأول ـ الظاهرة الإجرامية ـ شبكة النبأ المعلوماتية www.annabaa.org
[2] للمزيد انظر بلال أمين زين الدين ـ ظاهرة الفساد الإداري في الدول العربية والتشريع المقارن ـ دار الفكر الجامعي ـ القاهرة ـ ط 2009.
[3] نص المادة (104) من الدستور العراقي لعام 2005 (يؤسس مجلس، يسمى مجلس الخدمة العامة الاتحادية، يتولى تنظيم شؤون الوظيفة العامة الاتحادية، بما فيها التعيين والترقية، وينظم تكوينه واختصاصاته بقانون).
تفاصيل المقالة
هذا العمل مرخص بموجب Creative Commons Attribution 4.0 International License.